أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

الخروج الغامض!

مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي

25 أبريل، 2016


إعداد: نوران شريف مراد

من المقرر إجراء استفتاء شعبي في بريطانيا، يوم 23 يونيو 2016، يحدد مصيرها في الاتحاد الأوروبي سواء بالبقاء أو الخروج من الاتحاد. وفي حالة الموافقة على مغادرة الاتحاد الأوروبي سيكون لهذا القرار العديد من التداعيات السلبية على المملكة المتحدة.

وقد تبنى وجهة النظر هذه كتاب صادر بعنوان: "مستقبل بريطانيا في أوروبا: خطة البقاء الواضحة أم خطة المغادرة الغامضة"، لمحرره مايكل أميرسون Michael Emerson، وهو كبير الباحثين في مركز دراسات السياسة الأوروبية (CEPS).

مراحل تحديد مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي

يوضح الكتاب أن قرار الحكومة البريطانية بتنظيم استفتاء شعبي للبت في مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، لم يكن قراراً مفاجئاً، بل مر بمرحلتين رئيسيتين:

1- مرحلة المراجعة: سعت الحكومة البريطانية منذ عام 2012 لتقييم العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وذلك فيما عُرف باسم "مراجعة الاختصاصات"، حيث تضمنت مراجعة الاختصاصات التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي مقارنةً باختصاصات المملكة المتحدة، وبحث ما إذا كانت الأمور تسير بصورة جيدة، أم أنها في حاجة إلى إدخال تعديلات تكفل مزيداً من التوازن.

ويشير الكتاب إلى أن هذه المرحلة استمرت لمدة عامين، حيث انتهت في يوليو 2014. ونُشرت تلك المراجعات تدريجياً على نحو 30 جزءاً، وفي حوالي 3000 صفحة. وفي أعقاب نهاية المراجعات، تأكدت إمكانية إصلاح الاتحاد الأوروبي وتحسين سياساته، ومن ثم عدم حاجة بريطانيا للخروج منه.

2- محاولة الإصلاح: بدأت بالمفاوضات والمشاورات، وانتهت بتحديد موعد الاستفتاء الشعبي على مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. وبدا التأثير الكبير لتقارير "مراجعة الاختصاصات" على تحركات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وتوجهاته. ومن ثم، كانت فكرة "الإصلاح" هي المهيمنة خلال هذه المرحلة. واتُخذ عدد من الخطوات الهامة، ففي نوفمبر 2015 وعقب سلسلة من المشاورات مع عدد من الشركاء الأوروبيين، أعلنت الحكومة البريطانية عن عدد من المطالب الإصلاحية التي تود أن يتم تبنيها في إطار الاتحاد الأوروبي، ويمكن حصرها في أربع قضايا محورية: الإدارة الاقتصادية، القدرة التنافسية، السيادة، والهجرة.

وخلال شهر فبراير 2016، وفي أعقاب سلسلة من المفاوضات المكثفة في المجلس الأوروبي، تم التوصل إلى اتفاق حول هذه النقاط الأربعة. وعلى الرغم من كون هذا الاتفاق لا ينطوي على تغير جذري في علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، حيث إن المملكة المتحدة لها ترتيباتها الخاصة بالفعل في علاقتها بالاتحاد، بيد أن هذه المفاوضات ساهمت في تحقيق قدر من الطمأنينة السياسية لشرائح عديدة من المجتمع البريطاني، تخشى من زيادة سيطرة الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء. كما أن تلك المفاوضات باتت بمثابة السابقة القانونية لأي دولة عضو لديها الرغبة في إعادة ترتيباتها الخاصة بعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي. ومن ثم، تم تحديد يوم 23 يونيو 2016 للاستفتاء حول بقاء أو ترك بريطانيا للاتحاد الأوروبي.

الآثار المترتبة على قرار بريطانيا

على خلفية الاستفتاء المقرر تنظيمه، ظهرت العديد من التحليلات للآثار المترتبة على قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه. ويُميز الكتاب في هذا الصدد بين خطتين، وهما:

1- الخطة (أ) البقاء: يشير الكتاب إلى أن الآثار التي من المنتظر أن تترتب على خيار بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي تتسم بقدر من الوضوح. كما أنه ليس من المتوقع أن يؤدي تبني هذا الخيار إلى تغيرات جذرية، فالمملكة المتحدة بالفعل تنتقي ما تطبقه ضمن سياسات الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، تلتزم بريطانيا بعدد من القواعد الاقتصادية مثل سياسة السوق الواحد، وعدد من قواعد السياسة الخارجية والشؤون السياسية، إلا أنها في مجالات أخرى لا تلتزم بما يفرضه الاتحاد الأوروبي كما هو الحال فيما يتعلق باليورو وشنجن.

2- الخطة (ب) المغادرة: يوضح الكتاب أن عواقب هذا الخيار لا تزال غير واضحة، كما أنه من الصعب التنبؤ بما قد يترتب عليه اقتصادياً. ويعتقد البعض خطأً أن مثل هذا الخيار قد يكفل لبريطانيا مزيداً من التحرر والاستقلالية عن بروكسل، باعتبار أنه سيكون لديها قدرة أكبر على الانخراط في تجارة أكثر تحررية مع كافة أرجاء العالم، بيد أن هذا الأمر غير مؤكد خاصةً في ظل وجود عدد من القيود.

وفي هذا الإطار، يتطرق الكتاب إلى ثلاثة أنماط مُحتملة لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، وذلك على النحو التالي:

أ- النمط الأول: يتمثل في القطيعة التامة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وهو ما يعني الوقف المباشر لتنفيذ كافة الالتزامات التعاقدية والقانونية بين الطرفين، والتي يصل عددها إلى نحو 5000 اتفاق، وحوالي 1500 اتفاق دولي بين الاتحاد الأوروبي وأطراف ثالثة، الأمر الذي سوف يرتب فراغاً قانونياً ذات انعكاسات كارثية على الاقتصاد البريطاني. ومن ثم، من المستبعد أن تتبع الحكومة البريطانية هذا النمط من القطيعة.

ب- النمط الثاني: محوره أن تنفصل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي على الصعيد السياسي فحسب، وذلك تجنباً للآثار الاقتصادية السيئة التي قد تترتب على الانفصال. ومن ثم، تُبقي بريطانيا على علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وتظل تمارس دورها في إطار السوق الأوروبي الواحد والاتحاد الجمركي. وفى حقيقة الأمر، يشير الكتاب إلى أن هذا الخيار من الممكن تطبيقه، خاصةً أن الآليات اللازمة لتبني مثل هذا النمط متواجدة بالفعل، وكان قد سبق تبنيها بصدد عدد من الدول الأخرى التي ترتبط اقتصادياً بالاتحاد الأوروبي، على الرغم من كونها غير أعضاء، مثل النرويج في إطار المنطقة الاقتصادية الأوروبية EEA، وتركيا في الاتحاد الجمركي.

لكن مثل هذا الخيار قد يفرض قيوداً تنتقص من سيادة بريطانيا مقارنةً بخطة البقاء، ففي حال تبنيه ستكون بريطانيا مُلزَمة بمجموعة من الإجراءات دون أن يكون لها حق التدخل في صياغتها أو تعديلها، كما سيتعين عليها تقديم مشاركة ذات وزن في ميزانية الاتحاد الأوروبي. أيضاً يتضمن هذا النمط الانتقال الحر للأفراد، كجزء من سياسات المنطقة الاقتصادية الأوروبية.

ج- النمط الثالث: يتحدد في مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي في أعقاب التفاوض معه من ناحيه وشركائه الدوليين من ناحية أخرى، حول أفضل تسوية ممكنة، وذلك على النحو التالي:

 • التفاوض مع الاتحاد الأوروبي: يتمثل الحل المثالي لبريطانيا في تعزيز حرية حركتها وسيادتها، مع وضع حد لحرية انتقال الأفراد، ولكن في الوقت ذاته تحقيق أقصى استفادة للمملكة المتحدة من خلال بلوغ الخدمات والمنتجات البريطانية للسوق الأوروبية.  ويؤكد الكتاب على أن التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول هذه المسائل قد يواجه عدداً من الإشكاليات. ومن ثم، من المنتظر أن يخسر الاقتصاد البريطاني الكثير من الامتيازات؛ مثل المكانة الرائدة التي تتمتع بها الدولة في السوق المالي، وترتيب المملكة المتحدة  كمكان جاذب للاستثمارات الأجنبية على مستوى الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أيضاً أن تواجه هذه المفاوضات قدراً من التباطؤ والتعثر والفتور المقصود من جانب الاتحاد الأوروبي، بما يمثل رادعاً لأي دولة عضو تفكر مستقبلاً في الخروج من الاتحاد.

 • التفاوض مع الشركاء الدوليين: استكمالاً لتفاوض بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، يرى أنصار فكرة المغادرة أن المملكة المتحدة سيتعين عليها أن تسعى للتفاوض مع عدد من دول العالم، بما يُمكِّنها من إبرام اتفاقيات التجارة الحرة الخاصة بها مع كافة أرجاء  العالم، وذلك في سبيل ملء الفراغ القانوني الذي سوف يترتب على وقف التزام بريطانيا بالعديد من الاتفاقيات المبرمة بين دول العالم والاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، يؤكد الكتاب أن الاعتقاد السائد بأن بريطانيا من الممكن أن تجد بدائل لنظام التجارة الحرة  المطبق في سياق الاتحاد الأوروبي ليس سوى سراب، وذلك نتيجة لأن القوى الكبرى سوف تستمر في النظر للتجارة مع الاتحاد على أنها أولوية، وليس التبادل التجاري الفردي.

أي الخيارين أفضل؟

يشير الكتاب إلى أن مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي من المتوقع أن تؤدي إلى نتائج سلبية مقارنةً ببقائها في الاتحاد، وذلك للأسباب التالية:

1- في حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي، سوف تخسر بريطانيا مكانتها في الشؤون الدولية، ومن ذلك ما يلي:

 • الدور الفعَّال الذي تقوم به بريطانيا في إطار الاتحاد الأوروبي في مكافحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وعلى رأسها "داعش"، والتصدي لتجنيدها المقاتلين الأجانب.

 • الدور الذي تلعبه بريطانيا كأحد الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن الدولي وقيامها بدور المتحدث باسم أوروبا، لذا من المتوقع أن يؤول هذا الدور إلى فرنسا في حالة مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي.

• الموقف المعارض الذي تتبناه بريطانيا حيال روسيا على خلفية أزمة ضم القرم، فبريطانيا هي الداعم الرئيس لتوقيع العقوبات ضد موسكو. ومن ثم، في حالة خروجها من الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن يتغير موقف الاتحاد حيال روسيا، وبما قد لا يتفق  والتوجه البريطاني.

 • زيادة تدفق المهاجرين واللاجئين عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي، خاصةً ما سيترتب على ذلك من وقف تنفيذ بنود اتفاق "لو توكيه" Le Touquet مع فرنسا، والذي يفرض قدراً من الرقابة على عدد من النقاط الحدودية.

2- سيُلقي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتبعاته السيئة على مشروع الاتحاد بصفة عامة.

3- يخشى البعض من أن يؤدي مثل هذا الاستفتاء الشعبي إلى تدمير وحدة المملكة المتحدة ذاتها. فعلى سبيل المثال، إذا صوتت إنجلترا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، في مقابل تصويت اسكتلندا لصالح البقاء، سوف نكون بصدد أزمة داخلية كبيرة قد تؤدي إلى تفكك المملكة المتحدة بصورتها المعروفة الآن.

* عرض مُوجز لكتاب بعنوان: مستقبل بريطانيا في أوروبا: خطة البقاء الواضحة أم خطة المغادرة الغامضة"، والصادر عن مركز دراسات السياسة الأوروبية في مارس 2016.

المصدر:

Michael Emerson (ed.), Britain’s Future in Europe: The known Plan A to remain or the unknown Plan B to leave, (Brussels: Centre for European Policy Studies,  2nd Revised edition, March 2016) pp 224.